مقال السفير التركي د. عرفان نزيراوغلو احياءً لذكري شهداء 15 يوليو يوم الوحدة الوطنية والديمقراطية بتركيا.

Hartum Büyükelçiliği 15.07.2020

الخامس عشر من يوليو يوم الوحدة الوطنية والديمقراطية في تركيا – قصة خيابة لا سابقة لها

هناك أيام لها خصوصيتها في تاريخ الأمم مثل ذكرى الإنتصارات والإستقلال وهي أيام يُحتفل بذكراها بحماس وفخر. وفي المقابل هناك أيام حزينة يجب ألا يطويها النسيان مثل يوم الخامس عشر من يوليو بالنسبة للشعب التركي.

اليوم يصادف الذكرى الرابعة لمحاولة 15 يوليو 2016 الإنقلابية التي استهدفت الدولة والشعب التركي والتي قامت بها منظمة غولن الإرهابية. حاولت مجموعة عسكرية صغيرة (من أعضاء منظمة غولن الإرهابية) أن تقلب الحكومة المنتخبة ديمقراطياً وإغتيال الرئيس رجب طيب إردوغان حيث احتلت الدبابات والعرباتالمصفحة الشوارع الرئيسية في إسطنبول وأنقرةبالإضافة إلى العديد من المدن الرئيسية ومن ثمة وجهت فوهات بنادقها للمواطنين. كما قصف الطيارون الحربيون مباني البرلمان التركي والقصر الرئاسي ومقار الإستخبارات الوطنية والقوات الخاصة في محاولة لإخماد المقاومة الباسلة ضدهم الأمر الذي أدى إلى سقوط 251 مواطناً مسالماً ضحايا للإرهابيين بالإضافة إلى إصابة الفي شخص بجروح.

لقد كان هجوماً إرهابياً لا سابق له في تاريخ تركيا حيث أن المشاهد الصادمة في ليلة الخامس عشر من يوليو 2016 لاتزال حية في ذاكرتنا إذ أن لكل مواطن تركي له ذكريات مختلفة من يوم الخامس عشر من يوليو. نورد هنا قصة رواها شاهد عيان. لقد كنت الأمين العام للبرلمان التركي إبان المحاولة الإنقلابية. لم تكن ضوضاء الطائرات الحربية النفاثة التي تطير على إرتفاع منخفض أمراً عادياً ولكن لم يكن هناك أحد يتوقع حدوث مثل هذه الخيانة. بعد إجراء محادثات هاتفية مستعجلة، لاحظت أن هذا إنقلاب إرهابي. عندما غادرت المنزل متجهاً لمنزل رئيس البرلمان، كان أطفالي يزرفون الدمع ويتوسلون طالبين مني عدم المغادرة. لقد تعرضوا للأصوات العالية الصادرة من الطائرات الحربية لذا فقد تملكهم الخوف.

سرعان ما أصبح البرلمان التركي رمزاً للمقاومة بعد مُضي ساعات قلائل حيث تجمع أعضاء البرلمان والصحفيون وموظفو البرلمانهناك. لقد كانت جلسة عامة غير عادية شاركت فيها تقريباً كل الأحزاب السياسية من أجل الدفاع عن الديمقراطية التركية ولمقاومة المحاولة الإنقلابية. ولكن سرعان ما أصبح البرلمان نفسه هدفاً عندما بدأ البرلمانيون يُرسلون الرسائل للشعب للوقوف أمام المحاولة الإنقلابية الآثمة.

لن أنسى أبداً القصف الذي تعرض له البرلمان. لقد قصفوا ممثلي الشعب التركي ثلاث مرات من أجل إسكات صوتهم وحتى يُحبطوا معنويات الناس الذين ملأوا الشوارع مناهضين للمحاولة الإنقلابية. بعد القصف غيرنا مكان تجمعنا داخل البرلمان حيث قُصف بعدها المكان الذي كنا نجلس فيه ودُمر جزء منه بيد أن الله قد شملنا بعنايته. لازلنا نُحافظ على العمود الذي قُصف داخل البرلمان الذي ظل كمتحف ومزار وذلك لكي لا تنسى ذاكرتنا هذه الخيانة. ظللنا مستيقظين في داخل قبة البرلمان حتى أشرقت شمس اليوم التالي.

لقد كان لقيادة صاحب الفخامة الرئيس إردوغان القوية دور حاسمفي كبح جماح هذه المحاولة الإنقلابية الدموية. لقد استجابت كل مكونات الحكومة وحزب العدالة والتنمية الحاكم والمعارضة والإعلام والأهم من ذلك الشعب التركي بمختلف قطاعاته لنداء الرئيس إردوغان ووقفوا ضد هذا العمل الغادر.

كان من الواضح أن تلك المحاولة الآثمة قد أعدتها منظمة غولن الإرهابية التي يرأسها فتح الله غولن الذي يعتبر نفسه "الإمام العالمي" وقد تغلغل أنصاره في كل مؤسسات الدولة مثل القوات المسلحة وقوات الشرطة والمخابرات والقضاء والبنك المركزي والخزينة ومكتب رئيس الوزراء حيث لم تسلم من تغلغلهم أية مؤسسة (حكومية أو خاصة).

لقد استهدفت هذه المجموعة الإرهابية كبار المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال والأكاديميينوالأحزاب السياسية والصحفيينورؤساء المنظمات غير الحكومية. كل من يرفض التعاون معهم يتعرض للسجن بناء على إدعاءآت كاذبة والأسوأ من ذلك هو التعرض للتصفية الجسدية.

أظهرت محاولة الخامس عشر من يوليو الإنقلابية مدى التمسك والعزيمة على المحافظة على الديمقراطية التركية. لقد وقف جميع الأتراك شيباً وشباباً رجالاً ونساء بغض النظر عن مواقفهم السياسية وجميع الأحزاب الممثلة في البرلمانوغير الممثلة وعناصر القوات المسلحة وقوات الشرطة و الإعلام وقفوا جميعاً ضد المحاولة الإنقلابية. بعد الإنتصار على المحاولة بإرادة الشعب، عمت التظاهرات التي استمرت أسابيع عديدة مختلف أرجاء البلاد.

نحن نواصل بإصرار كفاحنا ضد منظمة فتح الله غولن الإرهابية في الداخل والخارج وذلك بحكم القانونوالديمقراطية والأخلاق التي دائماً ما يحتقرونها.

تركيا بأكملها تعلم مدى قوة دعم الشعب السوداني لتركيا خلال تلكم الأيام الصعبة. نحن نعلم أن النوم لم يجد لعيونهم سبيلاً حيث كانوا يدعون لنا ولهذا أود أن أشكر كل أخوتي وأخواتي السودانيين والسودانيات.

هذا جزء من قصتي ولكن هناك قصص أخرى البعض منها موغلة في المأساة. يمكنكم الإطلاع على القصة الكاملة لمحاولة 15 يوليو الإنقلابية باللغة الإنجليزية والعربية ومختلف اللغات من خلال الرابط التالي وهو بعنوان محاولة 15 يوليو الإنقلابية وانتصار الشعب.https://www.tccb.gov.tr/faaliyetler/15temmuz/

نحن نُدين مرة أخرى وبأقوى العبارات تلكم المحاولة الإنقلابية الغادرة ونحيي ذكرى شهدائنا بكل الإحترام. تغمدهم الله بواسع رحمته.

دكتور عرفان نذيراوغلو

سفير جمهورية تركيا بالسودان